أولها: اعتبار إعمار الأرض هدفاً دينياً:
فحينما يقوم المسلم بأي إعمار في الأرض، وإن كان القصد منه المنفعة الخاصة فإنّ له أجراً بذلك، ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (رواه أحمد). وحينما يقوم بقضاء أي شهوة خاصة فإنّ له بها أجراً شرط أن ينوي بها التقوّي على طاعة الله، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطباً الصحابة: "في بضع أحدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (رواه مسلم).
ثانيها: اعتبار الإنسان خليفة الله:
اعتبر القرآن الكريم الإنسان جديراً بأن يكون خليفة الله في الأرض إذا أصلح ولم يفسد فيها ولم يسفك الدماء، ويؤكّد ذلك استنكار الملائكة أن يجعل الله سبحانه وتعالى الإنسان خليفة له يفسد ويسفك الدماء، وهذا يقتضي ألاّ تقع من الإنسان الخليفة تلك الأخطاء بل يقوم بعكسها: الإعمار وعدم القتل، قال سبحانه وتعالى: وإذْ قالَ ربّكَ للملائكةِ إنّي جاعِلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفْسِدُ فيها ويسْفِكُ الدماءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لكَ قالَ إنّي أعلمُ ما لا تعلمونَ [البقرة:30].
ثالثها: اعتبار علاقة الإنسان بالكون علاقة تكامل:
[B]
اعتبر الإسلام الكون مسخّراً للإنسان، واعتبر الإنسان ممكّناً في الأرض، لذلك فإنّ العلاقة بين الإنسان والكون علاقة تكامل، قال عز وجل: ولقد مَكَّنَّاكُم في الأرضِ وجعلنا لكم فيها مَعايِشَ قليلاً ما تشكرونَ (الأعراف:10)، وقال جل وعلا أيضاً: وسَخَّرَ لكم ما في السماوات وما في الأرضِ جَميعاً منه (الجاثية،13).
من هنا كانت العبادة في الإسلام ذات نتائج نفسية واجتماعية وجسدية تعين الإنسان على مواجهة الواقع المحيط به، وعلى إعمار الدنيا، وسنأخذ صيام رمضان نموذجاً على ذلك.
[/B
]النتائج النفسية والخلقية
:
عندما يمتنع المسلم عن تلبية شهوتين لصيقتين بذاته، محبوبتين لنفسه هما الطعام والنساء، فإنّ لذلك نتائج نفسية أبرزها تنمية حب الله في ذات المسلم، لأنّه يمتنع عن تلبية تينك الشهوتين من أجل محبوب أعظم هو الله، وتكون نتيجة ذلك التخلص من عبودية الشهوات، والانتصار على الذات، وتقوية الإرادة الشخصية، ولاشك أنّ مثل هذه الثمرات ضرورية من أجل نجاح الإنسان في القيام بأعباء الدنيا ومواجهة مشاكل الحياة اليومية المختلفة بإرادة قوية وعزيمة ثابتة.
النتائج الجسدية
:
إنّ للصيام آثاراً كبيرةً على جسد الإنسان، فهو يطهر جسم الإنسان من السموم الضارة، ويساعده على التخلص من الكميات الزائدة من المواد الغذائية والفضلات الناتجة من العمليات الحيوية المختلفة بالجسم، بالإضافة إلى فوائد الصوم في إراحة وظائف الهضم والتمثيل الغذائي وإمداد خلايا الجسم بالحيوية والنشاط، وتشير الدراسات الحديثة إلى أنّ أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة بالأمراض أو الشيخوخة، وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة حيث تكون أول الخلايا المستهلكة وأول ما يتأكسد، وتشير الدراسات الحديثة أيضاً إلى أنّ الصيام يرفع النوع المفيد من كولسترول الدم بنسبة ثلاثين في المائة في نهاية شهر رمضان، والجوع وسيلة طبية معروفة قبل الإسلام لمعالجة كثير من الأمراض، كما أنّ الصيام يعيد توازن الجسم في كثير من الأملاح والمعادن.
النتائج الاجتماعية
:
يخرج المسلم من النظام اليومي الذي خضع له طوال العام إلى نظام آخر، فيكسر الإلف الذي اعتاده في نظام تناول الطعام والشراب والنوم إلى نظام جديد يصحو فيه في آخر الليل ليتناول سحوره، ثم يمتنع فيه عن الطعام والشراب إلى مغرب شمس ذلك اليوم، ليس من شك بأنّ كسر النظام اليومي الرتيب في حياة المسلم إلى نظام آخر ستكون له آثاره الجيدة في توليد الحيوية الاجتماعية، كما أنّ زكاة الفطر التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراجها قبل صلاة العيد، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين"(رواه أبو داود) ستؤدي إلى سدّ جانب من الخلل في المجتمع، وستؤدي إلى نوع من الترابط الاجتماعي.
هذه بعض آثار الصيام، وهي كما نرى تعود على الصائم في الدنيا قبل الآخرة، وهي ثمرة طبيعية لاعتبار الإسلام الدنيا حقلاً رئيساً يجب أن يسوده الإعمار والبناء لكي يكون هناك فوز ونجاح في الآخرة.