يمكن للإنسان أن يعيشن بدون كلام أو نظر أو سمع أو فكر أو أعضاء، فهناك الأخرس والأعمى والأصم والأبله والمعوق ولكنه لا يستطيع أن يعيش بدون تنفس. فلا يبدأ القلب بالعمل ولا الدماغ بالتفكير ولا الأعضاء بالحركة بدون الهواء الذي نتنفس. فالهواء هو الوقود الذي يشغل ماكينة الإنسان. وطالما كانت صحة الإنسان على ماء يرام كان نفسه طبيعيا وكاملاً. وما أن يصاب بمرض حتى يبدأ تنفسه بالتأثر سلبياً مما يستتبع تأثيراً سلبياً على الأعضاء فيزداد المرض شدة. هناك إهمال شديد للتنفس. نعم يقال لك (خذ نفساً عميقاً ) ولكن على مستوى سطحي فحسب. نحن نعرف أنه إذا ما فقد الإنسان أعصابه وقيل له ( خذ نفسا عميقا عدة مرات ) وفعل ذلك فإن توتره الشديد يبدأ بالتبخر. نفس الشيء في حالة الرعب، فإن المرعوب يبدأ بالاطمئنان بعد أخذ عدة أنفاس عميقة. من هنا ترى بأن التنفس لا يسيطر على الفعاليات البدنية فحسب، وإنما على العواطف والعقل.
وفي السنوات الأخيرة أخذ الأطباء يشيرون إلى حالات مرضية سببها التنفس غير الطبيعي، ومنها التهوية العالية كما يسمونها. فهنا يتنفس الإنسان بسرعة ولكن تنفساً سطحيا، في أعلى الرئتين مما يخل بالتوازن بين الأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون. ويتبع ذلك أعراض كثيرة إلا أنها تزول عند عودة التنفس الطبيعي.
وهناك التهوية الواطئة، حيث يتنفس الإنسان أقل من المطلوب باستمرار. وهذا حاصل عند المصابين بأمراض معيقة خصوصاً الذين يستعملون الكرسي المتحرك. وحقاً ليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب إذا ما تدهورت حالتهم على مر السنين، فإن وقودهم أقل من المطلوب. وبالإضافة إلى التنفس الاعتيادي، هناك أنواع أخرى من التنفس منها ما يسمى بإطلاق الحجاب الحاجز والغاية منه تحقيق التنفس العميق غير المصدود وهو ما يحرك الحجاب الحاجز إلى أقصى ما يمكن. ومنها تنفس المنخر التبادلي وهو التنفس بطريقة معينة من المنخرين بالتبادل وغايته تحقيق التنفس بالمنخرين جميعا على أساس أن الإنسان لا يتنفس بالمنخرين جميعا إلا في 20% من الوقت كما اكتشف ذلك اليوغيون قبل مئات السنين واكتشفه الغربيون مؤخراً. ونتيجة هذا التنفس هو موازنة التنفس من المنخرين، و تحفيز الجهاز العصبي وخلق لشعور من الهدوء في داخل الإنسان. كما أن هناك التنفس للاسترخاء والتنفس للطاقة اللذين سنذكرهما أدناه.
بالإضافة إلى أن التنفس علامة فعالة على التوازن بين التوتر والاسترخاء فإننا، في الواقع، نتنفس بطرق مختلفة حسب حاجة الجسم والدماغ. فإذا كنا نسترخي تنعدم حركة الصدر وتصبح الحركة البسيطة للبطن هي الدلالة على التنفس. ولعمل الصدر، نحتاج إلى شد العضلات وتوسيع القفص الصدري، وهذا لا يمكن أن يكون استرخاءاً. لذا فإنه، في الاسترخاء ، يمكن تحقيق التوسيع البسيط للرئتين بحركة بسيطة للحجاب الحاجز بواسطة الأعصاب الحجابية. وعند انخفاض الحجاب الحاجز فإن البطن، كونها مسترخية، تتحرك إلى الخارج لتعوض حركة الحجاب، وعندما يصعد الحجاب مرة أخرى تعود البطن إلى حالتها الأولى. وبسبب التوتر البدني والنفسي فإن الكثير من المرضى خصوصاً المقعدين والمصابين بعاهات معينة يستمرون بشد عضلات الصدر عندما يريدون أن يسترخوا، وقد يبقون التوتر في البطن أيضاً. والنتيجة هي عدم حصول أي استرخاء، وتستمر حالة التوتر المضرة وتزداد. لهذا كان التنفس الصحيح الإسترخائي مهماً جداً لتحقيق التوازن والانتصار على المرض.
ولتحقيق التنفس الإسترخائي استلق على ظهرك على الأرض إن كان ذلك ممكناً وبعكسه يمكن عمل ذلك جلوساً. ولأجل التمرين يجب عدم لبس الملابس المحددة للحركة وخصوصاً على الصدر والبطن، بل وحتى ساعات المعصم والأحذية الضيقة. ضع شيئاً تحت رأسك إن رغبت، ولكن حاول أن تضع الكتفين على الأرض، ثم باعد ما بين ساقيك قليلاً. أما للجالسين فيجب أن يكون الظهر منتصباً إلى أقصى حد ممكن وأن توضع الكفين في الحضن. وفي الحالتين يفضل غلق العينين لأن هذا يساعد على التركيز والطمأنينة.
وتستغرق استعادة التنفس الصحيح وقتاً، إلا إن النتيجة مفيدة للغاية فإذا كان التنفس استرخائياً كان الجسم مسترخياً ومن ثم العقل، ويعقب ذلك فوائد لا حصر لها. والتنفس الإسترخائي المطلوب هو الذي لا يتحرك فيه غير البطن وبرفق، وأن يكون متناغماً وخالياً من الإرتجافات، وأن يكون الزفير أبطأ من الشهيق لأنه هو الجزء الإسترخائي في التنفس. ويجب بعد تحقيقه أن تهبط عدد مرات التنفس من 14 - 16 في الدقيقة إلى 6 - 9 في الدقيقة.
ويجب أولا أن تكون متنبها لحركة البطن. ثم يجب ألا يدفع الهواء إلى البطن دفعاً، بل أن يدخل برفق. ويجب أن تتنبه إلى أن الصدر لا يتحرك. وتستطيع أن تستعمل الساعة ( عندما تتمرن على التنفس لا أن تسترخ ) بحيث تحقق نفساً واحداً، أي شهيقاً وزفيراً، كل 8 - 10 ثوان، أو أن تحسب إلى 4 للشهيق ثم تترك الزفير كما هو وسيأخذ من 6 إلى 8. ويجب أن تتمرن لمدة 5 دقائق على الأقل، بل يفضل ألا يقل التمرين عن 10 دقائق. استمع إلى التنفس المتناغم، واسترخ واصرف ذهنك تماما خصوصاً عند الزفير، واشعر بالاسترخاء ينسل في جسمك. ستشعر بعدها بسلام وطمأنينة عقليين، بل سترى أنك تحتاج إلى مثل هذا التمرين كل يوم كمضاد نافع جداً للتوتر والإجهاد وخصوصاً أثناء العمل.
كان هذا هو التنفس الإسترخائي، أما التنفس لزيادة الطاقة فيجب عمل كل التحضيرات الواردة في التنفس الإسترخائي خصوصاً انتصاب العمود الفقري. وهنا تعمل عضلات الصدر والأضلاع لتحفيز حركة الأضلاع السفلى. ويفضل أن تقع يدك على الأضلاع لتتحسس المكان الذي تشكل فيه الأضلاع الحرف ( V )، فهذه هي المنطقة التي يجب أن تتحرك وليس الصدر العلوي أو البطن.
في حالة التنفس الإسترخائي يصبح تلقائياً ونصبح ملاحظين بوعي لعملية التنفس عوضاً أن نكون متنفسين بوعي. أما لتحفيز الطاقة فيجب أن نتنفس بوعي. وهذا الأمر وإن كان حادثاً في الحياة اليومية إلا أننا نريد أن نعدل الحركة الطبيعية المفقودة. يجب هنا، عند التنفس، أن تكون هناك حركة واضحة للأضلاع السفلى إلى الأعلى وإلى الخارج، ولكن ألا ننفخ البطن وألا يتحرك أعلى الصدر إلا قليلاً جداً. بهذه الطريقة يتحرك الحجاب الحاجز بعمق وبفعالية.
إذا استطعنا أن نسيطر على هذين النوعين من التنفس نكون قد أوجدنا الأساس الصحيح للحياة. بالطبع، لا يعني هذا أن المشاكل الفيزياوية والهموم العقلية ستزول مباشرة، فهذا ليس علاجاً معجزاً، ولكن نستطيع استناداً على هذه الأرضية الصحيحة أن نبني أرضية صحيحة أكثر تكاملا عن توجهاتنا الحياتية الجسمانية والعقلية والتي تلعب الدور المهم في مساعدتنا على التخلص من الكثير من المشاكل ومنها الأمراض.