القط
كان وما يزال رفيق الإنسان منذ القدم. ولا بدّ وأن لكلّ واحد منا ذكرياته
الخاصّة عن القطط منذ أيام الطفولة، خاصّة إن كان قد نشأ في بيئة ريفية.
مؤخّرا قرأت دراسة طريفة عن القطط وعن حظوظها التي ظلت في حال صعود وهبوط على مرّ العصور.
كانت القطط المنزلية في مصر الفرعونية وروما
تعتبر في عداد الآلهة! وكان كلّ من يقتل قطا في مصر القديمة ُيحكم عليه
بالموت حتى وإن ثبت أن القط مات لسبب عارض. أما في روما فقد كان القط يمثل
آلهة الحرّية (!) وكان جنود روما يحملون صوره على دروعهم وأعلامهم.
وعندما
انتشرت المسيحية هبطت حظوظ القطط فجأة. وقام بودوان الثالث كونت الفرنجة
بالتخلص من القطط "المقدّسة" وغيرها من "الآلهة المنزلية" ليثبت انه تخلى
عن الوثنية. ولسوء الحظ ألقى بودوان المذكور بقططه من نافذة قصره وبدأ
تقليدا سنويا لتعذيب القطط اسماه "مهرجان القطط"!
وخلال القرون الوسطى كانت القطط، خاصّة ذوات اللون الأسود، ُتحرق في الحقول لحماية المحاصيل من الأرواح الشريرة ولضمان محصول طيّب.
وأثناء
حفلات مطاردة الساحرات في أوربا ، كانت القطط تعتبر التجسيد الأقرب
للشيطان والرفيق المفضّل للساحرات. وإذا شعرت امرأة حامل بألم في بطنها
فإن السبب هو أن ساحرة حاولت أن تملأ بطن المرأة بالقطط الصغيرة التي تخمش
وتعضّ محاولة الخروج من مكانها! ويمكن أن يتسبب قط ذكر في جعل امرأة تحمل
بالقطط إذا قفز فوق طعام وأكلته المرأة!
بمثل هذه العقلية الخرافية كان أوربيو القرون المظلمة يفكّرون!
وفي
بعض تراثنا ثمّة إشارات كثيرة عن الحيوانات لا يمكن للمرء بعد قراءتها
والتمعّن فيها إلا أن يستنتج أن عقليتنا وطريقة تفكيرنا ليست بعيدة تماما
عن خرافات أهل القرون الوسطى!
في نفس تلك الفترة وفي غرب أوربا كانت القطط ُتعذّب وُتقتل علنا. وكان الناس يستخدمونها لتمثيل كلّ قوى الشر كالسّحر ومصّ الدماء Vampirism
والسحر الأسود. ثم أصبحت القطط ترمز للخطايا كالشهوة والكسل والغيبة
والنميمة والخداع والإباحية. وفي ما بعد أصبح القط صورة للمرأة العاهرة
وارتبط بصورة يهوذا لإظهار طبيعة نفسه الحقودة والقاسية.
وكان
ُيعتقد أن القطط تنجذب إلى قبور الموتى الملعونين وأنها تصدر هسيساً في
محاولة منها لمحاكاة الشيطان! وتقول الأسطورة إن للقط تسعة أرواح، أما
لماذا الرقم تسعة بالذات فيقال بأنه كان يرتبط في الماضي بالفأل والحظ
السعيد.
ويقول اليابانيون
إن القط يمكن أن ُيخلّص من الشر إذا ُقطع ذيله الذي هو مصدر شروره. وفي
بلدان أخرى تروج أساطير عن عيون القط، فمن خلال حركة توسّع بؤبؤ عين القط
يمكن معرفة اتجاه الموج والوقت ومراحل القمر.
وبعض الأفارقة الأمريكيين يعتقدون أن القطط ترى الأشباح وتستخدم عيونها في طقوس السحر.
وكانت
بعض الشعوب تعتقد أن الوميض الذي يصدر عن عيون القطط في الليل مردّه ضوء
الشمس الذي تختزنه عينا القط في النهار لاستخدامه لمطاردة الأشباح
والأرواح الشريرة في الليل! بينما تعتقد شعوب أخرى أن الوهج في عيون القط
إنما هو عبارة عن شرر من نار الجحيم!
ورغم أن ملاقاة أو رؤية قط اسود ما يزال يعتبر نذير شؤم في أمريكا مثلا، فإنه في بلدان أخرى يعتبر رمزا للتفاؤل.
وفي اليابان
فإن تماثيل القطط التي تبدو فيها رافعة أكفّها اليمنى يعتبر رمزا للفأل
الطيّب والحظ السعيد. وفي كثير من الأساطير الدينية هناك قصص عن نوح وأول
قط ُخلق على الأرض، كما أن عيسى ابن مريم غالبا ما يظهر في صوره، وهو طفل،
مصحوبا بقطة صغيرة!
ولا شكّ أن القطط تستحق التقدير والشكر على تخليص بيوتنا من الفئران
والقوارض والحشرات الضارّة. وُينظر اليوم إلى تكتيكاتها اللعوبة والبارعة
بشيء من الطرافة والاستلطاف بعد أن كانت في الماضي رديفا للشياطين والشرور.