كانت حياة الآلهة وتصرفاتهم مادة خصبة لتغزل حولها حكايات وأساطير كثيرة. وأصبحت تلك الأساطير بعد ذلك معقدة للغاية كما أصبحت من أعمدة الديانة المصرية. وهذه الأسطورة من أهم الأساطير المصرية التى تظهر الصراع بين الخير و الشر و كيف إنتصر الخير فى النهاية.
لقد كانت حكاية "أوزير" و"إيسة" مؤثرة فى حياة المصريين، وأصبحت تضاف إليها تفاصيل مختلفة ودقيقة .. وكانت تمثل فى كل عام، وخاصة وقت الاحتفال بالإله "أوزير". ولقد اعتبرت منطقة "أبيدوس" مكان عبادة أوزير"، كما أنها كانت أكبر عواصم الدين والسياسة فى مصر القديمة.
أما حكاية "أوزير" و"إيسة"، و"حور" و"ست" فسنذكرها فى السطور التالية. لكن علينا أن نذكر أولاً أن الجميع الآن ينطق الأسماء بالطريقة الإغريقية القديمة ("أوزيريس" و"إيزيس" و"حورس"). والحكاية رغم أنها قديمة جداً فإنها لم تسجل إلا فى "متون أو نصوص الأهرام".
إن أبطال هذه الحكاية أربعة هم: زوج وزوجة، وولد وعم، وقد اختلفت الطباع والعواطف ما بين صلاح ووفاء، وحسد وانتقام.
فقد كان كل من الإله "أوزير" (أوزيريس) و الإلهة "إيسة" (إيزيس) أخوين وزوجين فى وقت واحد، بينما كان كل من "ست" و"بنت حت" أى(نفتيس) زوجين آخرين. وكان "أوزير" ملكاً على البشر يحكم بينهم ويهديهم إلى الصلاح. وشعر أخوه "ست" بالغيرة والحسد. وتوجد عدة روايات توضح كيفية تآمر واحتيال "ست" زعيم الشر ضد أخيه "أوزير" زعيم الخير. ومن هذه الروايات أن "ست" دبَّر مكيدة مُحكمة، واستطاع أن يضع "أوزير" حياً فى صندوق مغلق، ثم رمى به فى البحر.
وحكى البعض أنه أغرقه قرب "منف"، وحكى آخرون أنها "عين شمس" لكن المهم أن "إيسة" ظلت وفية لزوجها،. أخذت إيزيس تبحث عن زوجها حتى وجدته في جبل (بيبلوس) بسوريا ولكن ست أفلح في سرقة الجثة وقطعها إلى 14 جزءاً (وفي بعض الروايات 16 جزءاً) ثم قام بتفريقها في أماكن مختلفة في مصر ولكن إيزيس ونفتيس تمكنتا من استعادة الأشلاء ما عدا عضو التذكير (وفي بعض الروايات يقال أنها استعادت كل الأجزاء) واستخدمت إيزيس السحر في تركيب جسد أوزوريس لإعادة الروح له والإنجاب منه.
ولقد حطَّت عليه كما يحط الطائر، فحملت منه حملاً ربانياً، ووضعت منه طفلها "حور". وقامت بتربية ابنها سراً فى مستنقعات الدلتا وبين الأحراش. وعاونتها عدة كائنات – فأرضعته بقرة، وقامت برعايته معها سبع عقارب. المهم أن "ست" رمز الشر لم يعجبه بالطبع عودة أخيه إلى الحياة فقتله من جديد، وقطع جسده إلى أربعين قطعة، ودفن كل جزء منها فى إحدى المقاطعات التى كان ينقسم إليها إقليم مصر. وكان الرأس من نصيب مقاطعة "أبيدوس"، وكانت تمثل المقاطعة العاشرة من مقاطعات الصعيد.
وحزنت "إيسة" حزناً بالغاً لقتل زوجها، ولكنها استطاعت بمساعدة بعض الآلهة أن تجمع أجزاء "أوزير"، وأن تعيد إليه الحياة مرة أخرى، ولكن إلى وقت بسيط ..
وكبر "حور" بسرعة مثل أبناء الأساطير، وتعاونت "إيسة" مع "بنت حت" (نفتيس) وهى أختها وزوجة "ست" فى الوقت نفسه، على إقامة مناحة على "أوزير" الشهيد، حتى يثيروا الحلفاء من أجل الثأر.
وقد انعكس هذا الصراع وإعادة تأسيس المملكة الأصلية على الأحداث القديمة (من موت أوزوريس الملك بسبب الثورة) فظهرت الأسطورة التي صورت رئيس الشماليين بابن اوزوريس الذي انتقم لأبيه وبدأت الأسطورة في التكون وظهرت بعض الشخصيات مثل أيزيس ونفتيس
خرجوا يتمايلون ويدقون على صدورهم، ويضغطون على أذرعهم، ويشدون شعورهم من الغيظ والحزن، وجعلوا "حور" زعيمهم وسموه المنتقم لأبيه. وبعد صراع مرير، تم العرض على الحكماء وأصحاب القضاء فى "عين شمس" أو "منف". وقد أقام "حور" الدعوى باسم أبيه، وأدان القضاء "ست"، واعتبروا "أوزير" بريئاً من تهمة البدء بالعدوان التى حاول "ست" إلصاقها به.
وهنا تأبطت "إيسة" و"بنت حت" ذراعى أخيهما "أوزير"، وخرجتا معه. ولما انتصر الخير على الشر أصبحت الدنيا بلا غاية بالنسبة "لأوزير"، وفضل أن ينتقل إلى أسفل الأرض حيث عالم الموتى، وأن يمارس سلطانه على ملكوت الموتى. وعاود نشاطه فاستمر يدفع الماء من تحت الأرض، ويدفع الخصب إلى التربة، وينمى الحب فيصبح زرعاً، فهو النبت الأخضر فى مواسم النبات، وهو الماء الدافق فى مواسم الفيضان.
يقال أن أصل أسطورة أوزوريس عن شخصية حقيقة كان ملكاً في عصر سحيق للغاية على أرض مصر كلها وكانت عاصمته شرق الدلتا "بوزيريس" (أبو صير – بنها الحالية) وقد فسر موته غرقاً على يد الإله "ست" أنه مات في ثورة ضده كان مركزها مدينة "أتبوس" التي أصبحت مقر عبادة الإله ست (طوخ الآن), وبذلك انقسمت مصر إلى مملكتين إحداهما في الدلتا والأخرى في الصعيد ووحدتا نتيجة لحملة ناجحة للشماليين.