السحر التخيلي :
وقد أثبتت النصوص القرآنية والحديثية هذا النوع من أنواع السحر ، يقول الحق جل وعلا في محكم كتابه ( قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِىَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ( طه – الآية 6 ، 66 ) وقد ثبت من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله ) ( متفق عليه ) 0
قال ابن القيم ( وفي الموطأ عن كعب قال : كلمات أحفظهن من التوراة ، لولاها لجعلتني يهود حمارا : أعوذ بوجه الله العظيم ، الذي لا شيء أعظم منه ، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، وبأسماء الله الحسنى ، ما علمت منها وما لم أعلم 0 من شر ما خلق ، وذرأ وبرأ ) ( بدائع التفسير - 5 / 412 ) 0
قلت : وليس المقصود من قول الإمام مالك - رحمه الله - تعالى أن لسحر اليهود قدرة على تغيير الأمور وقلب حقيقتها التي خلقت عليها ، ولكن قد يكون القصد من الكلام آنف الذكر إما التهويل وقدرة سحرة اليهود وبراعتهم في هذا الأمر ، وإما أن يكون القصد قدرة سحرة اليهود على قلب الحقيقة في نظر الرائي دون المرئي وهو ما يسمى بسحر التخييل والله تعالى أعلم 0
يقول ابن خلدون ( سحر التخيل هو أن يعمد الساحر إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ، ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه ، فينظر الراؤن كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك ) ( مقدمة ابن خلدون – 498 ) 0
قصة واقعية :
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين –حفظه الله- ( حكى لنا بعض العامة أن ساحراً أتى إلى صاحب غنم ومعه شاه يقودها بأذنها ، وطلب من صاحب الغنم أن يعطيه بدلها كبشاً ليذبحه لرفقته ، ففعل ذلك صاحب الغنم ، فبعد أن ذهب بالكبش تبين أن تلك الشاة التي جاء يقودها كانت حشرة من دواب الأرض قد لبس بها على عين الراعي الذي ذهب في أثره حتى أدركه مع رفقته وقد ذبحوا الكبش ، فسألهم عن صاحب الكبش الذي لبس عليه ، فدلوه على الساحر فجعل يوبخه ، ثم مد يده إليه ليبطش به ، وقبض على رأسه فانقلع رأسه في يده وتعلق بحنجرته ، فذهل الراعي وهرب معتقداً أنهم من الشياطين )